بقاعاً “المستقبل” يتحرّك مستقلاً .. لا فيتو سعودي ولا تكليف لأحد..

أسامة القادري – مناشير
مع تصاعد الحديث عن إمكانية تأجيل الانتخابات النيابية المقبلة في 2026، بدأت وتيرة الحركة السياسية تتسارع في البقاعين الغربي والأوسط، حيث تكثّف أحزاب السلطة وخصومها تحركاتها، محاولةً فرض أمر واقع انتخابي، وسط فراغ سني لا تزال تداعياته حاضرة منذ انسحاب “تيار المستقبل” من انتخابات 2022.
هذا الحراك المبكر يعكس قلقاً سياسياً متصاعداً، لا سيما مع تناقض واضح بين ما تقوله القوى السياسية في العلن عن تمسّكها بإجراء الانتخابات، وبين ما يُمارَس على الأرض من مناورات وضبابية، خصوصاً في بيئة سياسية واجتماعية لم تتعافَ بعد من مرحلة ما بعد الحريري.
ففي الخطاب الرسمي، تُجمع قوى السلطة على أن الانتخابات ستجري في موعدها الدستوري. لكن داخل الغرف المغلقة، تختلف النبرة. التحركات التنظيمية والميدانية توحي باستعدادات متضاربة، بعضها يحمل رائحة التمديد أو التأجيل تحت ذرائع جاهزة: أمنية، أو سياسية، أو حتى “وطنية”.
فراغ المستقبل: فرصة للقوى الأخرى؟
منذ انكفاء “تيار المستقبل” عن الانتخابات الأخيرة، بقي الشارع السني في البقاع عرضة للتشتت بين قوى سياسية متنافسة، وهو ما فسح المجال أمام شخصيات سنية مستقلة للظهور على الساحة، مدفوعة باتصالات ومبادرات من قوى حزبية بارزة، أبرزها “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”. رغم مواجهتها بخطاب “المستقبليين المعتدل رفضاً لإختزال أي مكون في الساحة اللبنانية، على حد تعبير أحد قياديي التيار، والذي أضاف، ” لبنان اليوم بحاجة الى خطاب عقلاني معتدل لا الى خطاب الغائي موتور مشحون بالتطرف، وخطاب المستقبل هو اكبر برهان على ضرورة عودته لملاقاة الجميع تحت سقف مشروع بناء الوطن وحمايته بوحدتنا”.
ففي البقاع الغربي، تُشجّع “القوات” شخصيات سنية فاعلة على الترشح، تمهيداً لتحالف انتخابي، فيما تقول اشاعات من بعض الطامحين بأن النائب وائل أبو فاعور مكلف سعودياً باختيار مرشحين سنة في دائرة البقاع الغربي ومرجعيون حاصبيا، وهذا ما نفته مصادر مقربة من النائب أبو فاعور ان يكون مكلفاً من أي جهةجهة، وتابع المصدر :خصوصا ان علاقة التقدمي بمكونات البقاع الغربي وراشيا او حاصبيا ومرجعيون ليست طارئة ولا حديثة العهد، انما هي علاقة ثابتة وراسخة منذ زمن بعيد، وأي موقف سياسي او رسمي للنائب ابو فاعور يعبر عنه بنفسه، بعيدا عن التأويلات والشائعات المعروفة الأهداف والغايات.
والرواية نفسها تتردد في زحلة والبقاع الشمالي، حيث يُحكى عن “تكليف سعودي” لرئيس حزب القوات سمير جعجع بتسمية مرشحين سنة، وقد بدأ مكتبه فعلياً بتحديد مواعيد للقاء عدد من الشخصيات السنية من البقاعين الأوسط والغربي.
مصادر سعودية لـ”مناشير” تنفي: لا تفويض لأحد ولا فيتو على أحد
في مواجهة هذه المزاعم، جاءت الردود من السفارة السعودية حاسمة، فقد أكدت مصادر بارزة لـ”مناشير” أن لا تكليف لأي حزب أو شخصية لبنانية بشأن تسمية المرشحين السنة، معتبرة أن هذه الادعاءات “تعدٍّ على سمعة المملكة وعلاقتها بلبنان”.
وأضافت المصادر أن “السعودية لا تضع فيتو على تيار المستقبل، وعودته إلى العمل السياسي شأن داخلي لبناني”، في موقف يعكس تغيّراً في مقاربة الرياض للملف اللبناني، ويضع حدًا لمحاولات بعض الأطراف استغلال الغطاء السعودي لتعزيز موقعها الانتخابي.
عودة بهية الحريري: رسائل إلى الداخل والخارج
التحول الأبرز في المشهد السني تمثّل في إعلان السيدة بهية الحريري ترشحها عن أحد المقعدين السنيين في صيدا، وما رافق ذلك مع تصريح لافت لأمين عام “تيار المستقبل” أحمد الحريري قال فيه:
“فوز المستقبل في الانتخابات النيابية هو هدية للسعودية.”
التصريح حمل رسائل واضحة: أولها أن التيار لم يغب كلياً، وثانيها أن محاولة ملء الفراغ السني عبر قوى أخرى لن تمر بسهولة. هذا ما أعاد الحيوية إلى قواعد “تيار الأزرق”، التي بدأت تتحرّك فعلياً في البقاعين الأوسط والغربي، حيث رفعت صور للرئيس الحريري كتب عليها “يا سعد لو طال الليل الزعامة هي هي.. ناطرتك صهلات الخيل والارزة اللبنانية”.. عبارة تؤشر لعودة الحريري وعودة “المستقبل” الى تمثيل الساحة السنية بمواقفه المعتدلة.
ماكينة المستقبل تعود للعمل: لوائح مستقلة وتحالفات مدروسة
تشير أوساط مستقبلية في البقاع إلى أن التيار يدرس جدياً خوض الانتخابات بلوائح مستقلة تضم شخصيات محسوبة عليه أو صديقة، بعيداً عن التحالفات التقليدية.
وتؤكد الأوساط أن القانون الانتخابي الحالي يمكّن “المستقبل” من تحقيق حاصل ونصف في دائرة زحلة، وحاصل مع كسر الحاصل الثاني في البقاع الغربي، ما يُرجّح فوزه بمقعدين على الأقل في كل دائرة.
أما بشأن التحالفات، فالموقف واضح وحاسم:
“لا تحالف مع أي طرف. من يدخل اللائحة سيكون محسوباً على المستقبل، وفوزه يعني انضمامه إلى الكتلة النيابية. لسنا كاريتاس سياسي لأحد، ولا نرحّب بالمتلوّنين.”
انطلاقاً من ذلك، بدأت ماكينة “المستقبل” تعيد تموضعها، من خلال لقاءات مكثّفة مع شخصيات مستقلة في زحلة والبقاع الغربي، سعياً لرسم خريطة تحالفات واقعية تراعي الوزن الشعبي والسياسي، لا الحسابات الفوقية أو التحالفات المؤقتة.
اخيراً ان ما يجري في البقاعين الغربي والأوسط ليس مجرّد استعداد تقني لانتخابات بعيدة نسبياً، بل هو انعكاس لإعادة رسم الاصطفافات السياسية، ولا سيما في الشارع السني الذي بدأ يتحرك بين الانكفاء والتنظيم.
التحالفات لم تُحسم بعد، والتبدلات لا تزال قيد التشكل، لكن ما هو مؤكد أن انتخابات 2026 – إن حصلت – ستكون اختباراً حقيقياً للفرز السياسي، في منطقة لطالما كانت مرآة للتوازنات الوطنية.



