قضاء
بالمستندات : ديوان المحاسبة يفتح الصندوق الأسود لصفقة “مبنى تاتش”… مسؤوليات ثقيلة وغرامات بملايين الدولارات

اسامة القادري – مناشير
في واحدة من أضخم القرارات الرقابية منذ سنوات، كشف ديوان المحاسبة عن سلسلة مخالفات وهدر مالي مرتبط بصفقة استئجار وشراء مبنى شركة “تاتش”، مطلقًا أحكامًا بغرامات مالية ضخمة طالت خمسة وزراء اتصالات سابقين، وراسماً مسارًا قضائيًا قد يمتد إلى شبهات تبييض أموال ورشاوى وهدر منهجي للمال العام.
القرار الذي طال انتظاره، والذي يمتد على عشرات الصفحات، أعاد تفكيك الملف من بداياته: من توقيع عقود الإيجار الأساسية، مرورًا بأعمال التجهيز والاستكمال، وصولًا إلى صفقة الشراء المثيرة للجدل. وفي ما يلي تفصيل استقصائي لأبرز ما خلص إليه الديوان:
نقولا الصحناوي: غرامة بـ 8 ملايين دولار… ومسؤولية “التأسيس”
الديوان قبل دفوع الوزير السابق نقولا الصحناوي شكلاً لكنه ردّها في الأساس، مُحمّلاً إياه مسؤولية ترتّبت عليها أضرار مالية مباشرة.
القرار فرض على الصحناوي غرامة هي من الأكبر في تاريخ الديوان: 8,078,146 دولارًا، مع طلب تحصيل فوري عبر وزارة الاتصالات.
قرار الديوان يشير بوضوح إلى أن المخالفة تعود إلى المرحلة التأسيسية لملف المبنى، ما يضع دوره في قلب تسلسل الأحداث التي قادت لاحقًا إلى تضخم الكلفة الإجمالية.
بطرس حرب: الإعفاء الوحيد… و”حماية الخزينة”
شكّل الوزير بطرس حرب الاستثناء الوحيد في القرار؛ فالديوان اعتبر أن فسخ العقد من قبله أنقذ الدولة من خسارة مؤكدة بقيمة 20 مليون دولار، ما دفعه إلى إعفائه من أي عقوبة، استنادًا للمادة 62.
في سياق الفوضى التي أحاطت بالملف، بدا فسخ العقد خطوة مضادة لمسار الهدر، بحسب تحليل الديوان.
جمال الجراح: الموافقة على دفع مبالغ “غير مستحقة”
الوزير جمال الجراح كان من بين من طالتهم الغرامات الأعلى.
بعد قبول دفوعه شكلاً وردّها مضمونًا، فرض الديوان عليه غرامة وفق المادتين 60 و61، وطلب تحصيل 11.3 مليون دولار.
السبب؟
موافقته – خلافًا لمضمون العقد – على دفع 22.6 مليون دولار لتجهيز المبنى، رغم أن عقد الإيجار من نوع Core and Shell يلزم المالك، لا المستأجر، بالقيام بأعمال التجهيز.
هذه الموافقة وُصفت في القرار بأنها “صرف مبالغ غير مستحقة”.
محمد شقير: عدم استرداد 22.6 مليون دولار خلال مفاوضات الشراء
الوزير محمد شقير، الذي قبل الديوان دفوعه شكلاً وردّها مضمونًا، واجه غرامة مماثلة للجراح (11.3 مليون دولار).
الديوان حمّله مسؤولية عدم المطالبة باسترداد 22.6 مليون دولار دُفعت سابقًا لتجهيز المبنى خلال مرحلة الإيجار، رغم أنه تفاوض على إبطال عقد الإيجار وتنظيم عقد شراء جديد.
غياب المطالبة باسترداد هذا المبلغ عدّه الديوان تقصيرًا جوهريًا أدّى إلى تحميل الخزينة خسائر مباشرة.
طلال حواط: غرامة… لكن مع وقف تنفيذ
الوزير طلال حواط، رغم ثبوت المخالفة، نُظر إليه كحالة مختلفة.
فقد فرض الديوان عليه غرامة وفق المادة 60، لكنه أوقف تنفيذها بالكامل استنادًا للمادة 62 فقرة 4، بعد ثبوت حسن نيته وانعدام أي منفعة شخصية أو سوء نية.
جوني القرم: 4.9 ملايين دولار بسبب “اختفاء” 123 موقفًا
أحد أخطر ما كشفه القرار مرتبط بمرحلة الوزير جوني القرم، إذ فرض الديوان عليه غرامة وفق المادتين 60 و61، وطلب تحصيل 4,920,000 دولار نتيجة نقص 123 موقف سيارات من الخرائط الأصلية.
الديوان اعتبر أنّ توقيع القرم على عقد البيع “الممسوح” أدى إلى خفض عدد المواقف من 237 إلى 114، الأمر الذي اعتبره الخبير المكلّف خسارة تُقدّر بـ 40 ألف دولار للموقف الواحد — قابلة للارتفاع بحسب السعر الفعلي الذي حدّده الخبراء بـ 50 ألف دولار للموقف.
شركة Zain / MIC2: تعويض بـ 2.75 مليون دولار
لم يسلم الجانب المشغّل من الاتهامات.
الديوان طلب إلى وزير الاتصالات تحصيل 2,750,000 دولار من شركة “زين”، بعد أن رجع رئيس مجلس إدارة “ميك 2” (المعيّن منها) عن قرار فسخ العقد، خلافًا للتعليمات الرسمية ورغم طلب الوزير بطرس حرب تأكيد الفسخ.
هذا التصرف اعتبره الديوان سببًا مباشرًا بتكبيد الدولة خسائر إضافية.
خاتمة: الملف لم يُقفل… وإشارات خطيرة إلى شبهات تبييض أموال
الأخطر في قرار الديوان، أنّه لم يكتفِ بالغرامات أو تحديد المسؤوليات، بل وجّه إشارة واضحة إلى وجود شبهات تبييض أموال ورشاوى وهدر منظم للمال العام، محيلًا أجزاء من الملف إلى النيابة العامة التمييزية عبر النيابة العامة لدى الديوان.
إحالات القرار شملت:
رئاسة الجمهورية، مجلس النواب، مجلس الوزراء، هيئة الشراء العام، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والشؤون العقارية، إضافة إلى لجنة الإعلام والاتصالات.
ملف “مبنى تاتش” إذًا، لم ينتهِ… بل يكاد يبدأ مرحلة جديدة، قد تتحوّل إلى أكبر قضية مالية – إدارية في قطاع الاتصالات منذ عقدين.





