المقعد الماروني في البقاع الغربي وراشيّا: المعركة الأصعب في دائرةٍ تتحرّك على إيقاع التحالفات المتبدّلة

لم يعد المقعد الماروني في دائرة البقاع الثانية (البقاع الغربي وراشيّا) مجرد تفصيل داخل لوحة انتخابات 2026، بل تحوّل إلى “مؤشّر سياسي” بالغ الحساسية، يكشف طبيعة التوازنات داخل البيئة المسيحية، ويعكس في الوقت نفسه حجم نفوذ القوى الكبرى في دائرة يغلب عليها الحضور السنّي والدرزي والشيعي.
في هذا المقعد تحديداً، تتجمّع كل عناصر المعركة: تناقض المصالح، تبدّل التحالفات، حرب الحواصل، وعودة الأحزاب التقليدية إلى اختبار قدرتها على استعادة الشارع. هنا، كل رقم يُحتسب، وكل نقطة ضعف تُستغل، وكل خطوة غير محسوبة قد تنقل الفريق من الربح المضمون إلى الخسارة المؤلمة.
أولاً: المشهد البنيوي… لماذا المقعد الماروني هو الأصعب؟
يكتسب المقعد الماروني أهمية استثنائية لسببين رئيسيين:
- قلّة الناخبين المسيحيين مقارنة بكتلة الناخبين المسلمين والدروز، ما يجعل أي مرشح ماروني بحاجة إلى أصوات من خارج طائفته لضمان الفوز.
- تعدد الأقطاب المسيحية في الدائرة (القوات – التيار – القومي)، مقابل غياب كتلة مسيحية موحّدة، ما يجعل كل لائحة تبحث عن تجميع “فتات الأصوات” بحساب دقيق.
هذا الواقع يجعل المعركة أكثر تعقيداً، ويضع كل فريق أمام سؤال واحد: كيف يمكن الفوز بمقعد مسيحي في دائرة لا يملك فيها المسيحيون القدرة العددية على الحسم؟.
ثانياً: تحالف المستقبل – القوات… محاولة فرض مرشح مقابل غياب الحاصل
يبدو أن التحالف غير المعلن بين “تيار المستقبل” و“القوات اللبنانية” يقوم على قاعدة استعادة المقعد الماروني بأي ثمن. لكن التحالف يعاني من ثغرتين أساسيتين:
- المستقبل بعد غيابه… يستعيد نفوذه بالأسماء؟
تبنّي المستقبل لاسم الياس بطرس مارون قد يرضي جزءاً من الشارع، لكنه لا يضمن الحاصل، خصوصاً أن كتلة المستقبل الانتخابية تراجعت بعد 2019 و2022، وبات تأثيرها متقطّعاً وغير ثابت.
- القوات… ترشيح رمزي أم مشروع معركة؟
القوات تتجه نحو تسمية نبيل بومنصف، وهو اسم يحظى بحضور إعلامي وصدقية، لكنه يفتقر إلى قاعدة انتخابية جاهزة في الدائرة. هذا يعني أن بومنصف هو “مرشح معركة” لا “مرشح حاصل”، ما يطرح سؤالاً حول قدرة التحالف على تأمين حاصل أول قبل المنافسة على المقعد الماروني. بمعنى آخر، ترشيح القوات هنا سياسي – رمزي أكثر منه حسابي – انتخابي.
ثالثاً: القومي… اللاعب الأكثر قدرة على قلب التوازنات
الحزب السوري القومي الاجتماعي يشكّل حالة مختلفة تماماً:
- قاعدة انتخابية صلبة وموزّعة جغرافياً
القومي يمتلك حضوراً واسعاً في القرى المختلطة بين راشيّا والبقاع الغربي، ما يمنحه قدرة على إمداد لائحته بأصوات ثابتة لا تتأثر كثيراً بالتحالفات.
- ترشيح أنطون سلوان… مرشح “البيت الداخلي”
اسم أنطون سلوان ليس عابراً. هو مرشح يعكس قراراً حزبياً واضحاً بخوض معركة المقعد، لا الاكتفاء بدعم الحلفاء. هذا الترشيح يعطي اللائحة قوة حقيقية، ويمنح القومي ورقة تفاوض أكبر مع الأطراف الأخرى.
- قدرة القومي على جذب أصوات من خارج بيئته خصوصاً من الشريحة الشيعية ومن جزء من القرى الدرزية، نتيجة علاقة قديمة في الإطار المناطقي. هذا يعني أن القومي لاعب قادر على إيصال مرشحه إذا حصل على تحالف مناسب أو على توزيع أصوات مدروسة.

رابعاً: التيار الوطني الحر… مأزق الخيارات المتناقضة
فالتيار الوطني الحر يعيش واحدة من أكثر معاركه حساسية منذ 2018:
- الانسحاب “المدروس” من المقعد الماروني
رغم أن التيار يمتلك نائباً حالياً في الدائرة (شربل مارون)، إلا أنه يتجه بوضوح إلى التخلي عن المقعد الماروني والانتقال إلى المنافسة على المقعد الأرثوذكسي بترشيح طوني الحداد. هذه الخطوة ليست اعترافاً بالضعف، بل محاولة لتجنب خسارة مؤكدة في المقعد الماروني مقابل فرصة أفضل في الأرثوذكسي.
- ميشال عيد… المفاجأة التي أربكت الجميع
ترشّح ميشال عيد، بشبكة علاقاته الواسعة في البيئات المسيحية والمسلمة والدرزية، خلق إرباكاً مزدوجاً: أربك التيار الذي كان يأمل بخوض معركة أقل تعقيداً على الأرثوذكسي ، وأربك المرشحين الأرثوذكس الآخرين ، وفتح الباب أمام احتمال تفتيت الأصوات (التيار) يحتاجها في معركة دقيقة ، عيد ، وإن لم يكن مرشح حزبياً، إلا أنه يملك ما هو أهم: القدرة على اختراق البيئات المتنوعة، وهذا ما يخشاه الجميع.
المرشحون “الدائمون”… قوة تفتيت لا يمكن تجاهلها
وجود مرشحين دائمين مثل جورج عبود يضيف عنصراً إضافياً إلى المعادلة.
هؤلاء، رغم قلّة حظوظهم، ينالون نسبة ثابتة من الأصوات المسيحية، ما يؤدي إلى: تشتيت الأصوات وخفض الحواصل وتغيير نتائج التحالفات الكبرى على نحو مفاجئ ، هذه الفئة من المرشحين هي “العامل الصامت” الذي يلعب دوراً أكبر مما يبدو.
قراءة أعمق للحواصل… المعركة الحقيقية ليست في الأسماء
إذا كان المشهد يبدو ظاهرياً كأنه صدام بين مرشحين، فإنه في العمق معركة حواصل وتحالفات:
- لوائح كثيرة… أصوات قليلة
عدد الأصوات المسيحية محدود، ما يعني أن كل لائحة تسعى لاستقطاب أقل من 2000 إلى 3000 صوت مسيحي لتأمين فائض يدعم حواصلها الأساسية.
- الصوت الإسلامي – الدرزي هو الفيصل
لا يمكن لأي مرشح ماروني أن يفوز دون تحالف مع قوة وازنة من إحدى الطوائف الكبرى في الدائرة.
لذلك، المقعد الماروني هو فعلياً انعكاس لقوة اللوائح الإسلامية والدرزية، وليس فقط لوزن المرشحين المسيحيين.
- احتمالات “مقعد يتيم” للائحة واحدة
نتيجة التشتت المتوقع، قد يحصل أن تفوز لائحة واحدة بالمقعد الماروني دون منافسة حقيقية، إذا تمكنت من جمع حاصل أول وثانٍ مستقرّين.
معركة هويات سياسية
المشهد الانتخابي في البقاع الغربي وراشيّا مفتوح على كل السيناريوهات، لكن الثابت الوحيد أنّ: المقعد الماروني ليس معركة مرشحين… بل معركة هويات سياسية وتحالفات وحواصل.
في ظل تضاؤل الأصوات المسيحية وتشتتها بين لوائح متعددة، يصبح الفوز بالمقعد مرتبطاً بقدرة اللائحة على حشد أصوات من خارج البيت المسيحي، وهو ما لا يملكه الجميع، ولا يقدر عليه إلا فريق متماسك يعرف كيف يدير معركته بدقة حسابية.
2026 لن تكون سهلة
ومقعد ماروني واحد قد يكشف حجم القوى في الدائرة… وقد يعيد رسم خريطة التحالفات ما بعد الانتخابات.



