Ad Cover
اخبار عربية

غزّة بعد “شرم الشيخ”: تهدئة قسرية على النموذج اللبناني؟

مناشير

في أعقاب توقيع “اتفاق شرم الشيخ 2025” بين إسرائيل وحركة حماس برعاية أميركية ومصرية، يخيّم على قطاع غزّة هدوء هشّ لا يبدو أنه مرشح للثبات طويلاً. فرغم التصريحات الاحتفالية التي صدرت عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ووعود ما بعد الاتفاق، فإنّ الوقائع على الأرض توحي بأنّ ما جرى ليس أكثر من تهدئة قسرية، تُذكّر كثيرًا بالنموذج اللبناني الذي ترسّخ بعد اتفاق 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

منذ اللحظة الأولى، بدا أنّ الاتفاق يخدم الرؤية الإسرائيلية أكثر مما يقدّم ضمانات فعلية للفلسطينيين. فقد صوّر ترامب الاتفاق بوصفه “نصرًا تاريخيًا” لإسرائيل، مؤكدًا أنّ “السلام سيتحقّق عبر القوة”، ومعلِنًا صراحة أنّ العودة إلى العمليات العسكرية تبقى خيارًا مطروحًا إذا لم تلتزم حركة حماس بـ”كامل شروط الاتفاق”، وفي مقدّمتها تسليم جثامين الجنود الإسرائيليين.

أما وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف كاتس، فكان أكثر صراحة، ملوّحًا باستئناف الحرب في حال “رفضت حماس الالتزام”، ومشيرًا إلى هدف واضح: “تغيير الواقع في غزة وإلحاق هزيمة كاملة بحماس”، بتنسيق مع واشنطن.

وبين السطور، يتّضح أنّ ما يُنتظر من القطاع ليس “سلامًا”، بل خضوعًا كاملاً لشروط أمنية إسرائيلية، تُبقي المقاومة تحت سيف الاستهداف، وتحوّل “التهدئة” إلى غطاء لعمليات اغتيال جوّية، وغارات محدودة، ومنع لإعادة الإعمار، ناهيك عن الضغوط الاجتماعية والسياسية داخل النسيج الفلسطيني.

النموذج اللبناني، الذي بات عمره الآن أحد عشر شهرًا، يبدو كأنه خارطة طريق مفضّلة للقيادة العسكرية الإسرائيلية: لا حرب شاملة، ولكن أيضًا لا هدوء فعلي. استهدافات منتقاة بذريعة “تحركات مشبوهة” أو “وجود مخازن أسلحة”، ومراقبة لصيقة لعمليات الإعمار، واستنزاف اقتصادي متعمّد، ومحاولات مستترة لدقّ إسفين بين القوى السياسية والمجتمعية في الداخل.

وقد بدأت بالفعل إشارات لافتة في هذا السياق: تسريبات عن محاولات لاختراقات عشائرية، وتحريك بعض الشخصيات “المدنية” المناوئة لحماس، إلى جانب ترويج إعلامي لمفهوم “إدارة غزة بدون سلاح”. وهو ما يطرح تساؤلات جدّية حول مصير القطاع، ليس فقط كجغرافيا منهكة، بل كمجتمع مرشّح للتفكيك المنظّم.

ورغم إعلان حماس التزامها المبدئي ببنود الاتفاق، إلا أنّ التوازن في بنية الاتفاق يميل بشكل واضح لصالح الطرف الأقوى عسكريًا. في ظل غياب آليات رقابة دولية فعّالة أو ضمانات أممية تردع خروقات محتملة، تصبح “التهدئة” مجرد هدنة مشروطة قابلة للانهيار في أية لحظة.

الخشية الأكبر اليوم أن يتحوّل قطاع غزّة إلى ساحة تدار فيها الاشتباكات وفق منطق “الضربات الجراحية” والضغط المتراكم، دون بلوغ تسوية سياسية شاملة، ما يعني دورة جديدة من الاستنزاف، وربما الانفجار.

وفي المحصّلة، لا يبدو أنّ أهل غزة – رغم صبرهم ومرارتهم – على موعد قريب مع “سلام حقيقي”. بل الأقرب أنّهم أمام نموذج لبنان بوجهه الأكثر قسوة: حرب غير معلنة، وتهدئة لا تُبنى عليها دولة، بل تُستخدم لتقويض ما تبقّى منها.

“الموقع غير مسؤول عن محتوى الخبر المنشور، حيث يتم نشره لأغراض إعلامية فقط.”

مقالات ذات صلة