مشروع لعزل الشيعة وإسقاط اتفاقية “بوليه – نيو كامب”

الاثنين 01 أيلول 2025 – 06:57ليبانون ديبايت
مشروع لعزل الشيعة وإسقاط اتفاقية “بوليه – نيو كامب”
“ليبانون ديبايت”- عبدالله قمح
لا يمكن فصل التسريبات حول المليار دولار التي خصصها حزب الله لإطلاق المرحلة الثانية من “إعمار الضاحية”، والتي تشمل ترميم الأبنية الصالحة للسكن، عن النزاع المتصاعد بينه وبين إسرائيل والولايات المتحدة. فالحزب، الذي يستشعر بوضوح محاولات تطويقه وحصاره شيعياً واستغلال عمقه لإحداث تغييرات جوهرية عبر الضغط الاقتصادي، قرّر مواجهة هذه المحاولات بالأدوات المالية نفسها. ومن جهة أخرى، بات الحزب مقتنعاً تماماً بأن استمرار النزف في ملف إعادة الإعمار يجعل ساحته مستباحة. ولذلك يسعى بقوة إلى إقفال ما يمكن تسميته بـ”الخواصر الرخوة”، وفي مقدّمها ملف الإعمار.
كل ذلك يجري فيما تتخذ المواجهة بُعداً مختلفاً. فالسعوديون، الذين يحاولون استثمار الوضع السياسي الراهن إلى أقصى حد، انخرطوا في مشروع محاصرة حزب الله سياسياً تمهيداً لمحاصرته اقتصادياً، مستخدمين ورقة حلفائه. وليس سراً أن قسماً من هؤلاء خضع للإملاء السعودي فاختار الـ”تكويع”، وآخرين اختاروا مصارحة الحزب بالمضايقات التي يتعرضون لها. كل ما يحصل يعني أننا أمام محاولة حقيقية لعزل المكوّن الشيعي وإشعاره بأنه منبوذ وأنه يتحمل المسؤولية عن كل الانهيارات التي حصلت، تمهيداً لفصله عن البيئات الأخرى، وفي إطار زيادة الضغط عليه. ومن بين الآليات التي بدأ السعوديون، عبر يزيد بن فرحان، العمل عليها، محاولة تخيير حلفاء الحزب، ولا سيما السنة منهم، بين الوقوف إلى جانبه وتحمل تبعات الغضب السعودي أو الخروج عنه –في الحد الأدنى التمايز–، بحيث لا يبقون في “جيبته”. في المقابل، نشّط الحزب محركاته العكسية باتجاه هؤلاء الحلفاء في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ومن المؤشرات على ارتفاع منسوب المواجهة في هذا المسار، الدعم السعودي المضاعف لرئيس الحكومة نواف سلام، بعدما لمس السعوديون أن فريقاً من اللبنانيين بدأ يتململ من الموقف الأميركي ويشعر بأن واشنطن خذلته في موضوع ورقة توم براك، ما فتح الباب أمام التفكير بالتحرر منها. فجاء التدخل السعودي عند سلام لتطويق هذا المسار وإجهاض أي توجه نحو مجلس الوزراء، وسط تأكيد الأخير رفضه في محاولة لتصوير “الورقة” بأنها سقطت، وإصراره على أنها “نهائية” ولا عودة عنها.
يتقاطع هذا المشروع مع الموقف الأميركي المباشر والواضح حول المشاريع الاقتصادية – الاحتلالية التي تستهدف جنوب لبنان. فلا يمكن لمشروع دونالد ترامب القاضي بإنشاء “منطقة اقتصادية في الجنوب” أن يتحقق إلا بفصل الشيعة عن حزب الله وحركة أمل. لذلك تُطرح حالياً “الصفقة” على قاعدة مقايضة السلاح بالمال والمشاريع والإعمار، في محاولة لاستهداف جزء من الشيعة. ومن هنا، يجري تخييرهم بين الموت معزولين إذا بقوا إلى جانب حزب الله وأمل، أو الانفتاح على الطروحات الجديدة، ومنها القبول بالمنطقة الاقتصادية العازلة. وهذا ما استدعى كلاماً حاداً وغير مألوف من الرئيس نبيه بري أمس في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، إذ بات واضحاً أن إسرائيل لن تنسحب من الأراضي التي احتلتها جنوباً حتى ولو سلّم حزب الله سلاحه، لأن القضية أعمق بكثير من مسألة السلاح وتتصل بإعادة ترتيب المنطقة، وهو ما صار الساسة اللبنانيون على بيّنة منه باعتباره قراراً إسرائيلياً مدعوماً أميركياً.
من هنا، يمكن فهم حدة رد بري على طروحات الوفد الأميركي الذي زار بيروت الأسبوع الماضي. ففي الوقت الذي تبحث فيه واشنطن عن “اتفاقية ترتيبات أمنية” أو “منع اعتداء” بين سوريا وإسرائيل، تسعى الأخيرة إلى اتفاق مشابه مع لبنان. وهذا ما يمكن استنتاجه من كلام توم براك في بيروت حول “ضرورة التواصل اللبناني – الإسرائيلي”، واستغرابه من غياب هذا التواصل طوال السنوات الماضية. وعليه، فإن احتلال النقاط التي ارتفعت من خمس إلى تسع، مرشح للارتفاع إلى عشرة وأحد عشر وربما عشرون، طالما أن الأهداف سياسية – استراتيجية أكثر منها عسكرية.
وفي السياق نفسه، يمكن فهم أسباب إعادة ضمّ مورغان أورتاغوس إلى الفريق الأميركي المعني بلبنان، وهي صاحبة الفكرة القديمة –المبتكرة– حول ضرورة التفاوض المباشر بين إسرائيل ولبنان عبر لجان مشتركة، بدلاً من الآلية (“الميكانيزم”) الحالية. وهذا أيضاً يفسر قرار الدفع باتجاه إنهاء مهمة اليونيفيل في لبنان، بحيث لا يبقى طرف دولي يسهّل التواصل غير المباشر بين بيروت وتل أبيب، ويصبح مفروضاً أن يتم التواصل المباشر لمناقشة ملفات عالقة، أو تلك التي يراد إبقاؤها عالقة، مثل ترسيم الحدود البرية.
أما إسرائيل، فهي تعمل على إقفال ملف “بوليه–نيوكامب” وهي الاتفاقية الموقعة عام 1923 بين فرنسا وبريطانيا بصفتهما دولتين منتدبتين للبنان وفلسطين، حُدِّدت بموجبها أراضي الدولتين، وأظهرت بوضوح الحدود الدولية بينهما. وتدفع تل أبيب نحو اتفاقية جديدة تكرّس سيطرتها على المواقع المحتلة حديثاً –ما بعد شباط 2024– والأخرى المحتلة سابقاً –الغجر، مزارع شبعا والنقاط الـ17–. فتفكر بتحويل النقاط الـ17 المتحفظ عليها من جانب لبنان وأهمها نقطة رأس الناقورة مثلاً إلى أراضٍ تقع داخل حدودها، ولاحقاً جعل “الخط الأزرق” وهو خط انسحاب القوات الإسرائيلية المرسَّم عام 2000، إلى شريط دائم يُظهر الحدود الدولية الرسمية. وتتمنى إسرائيل التوصل إلى “ترتيبات أمنية” مع لبنان تسمح لها بتكريس المواقع العسكرية المكرسة بالأمر الواقع حالياً، تحت ذريعة “أغراض الحماية والمراقبة” للجليل، كما تفعل في سوريا تماماً.