لبنان يدخل مرحلة جفاف متقدمة: مؤشرات مقلقة تستدعي تدخّلاً سريعاً لتفادي الانهيار المائي

لبنان يدخل مرحلة جفاف متقدمة: مؤشرات مقلقة تستدعي تدخّلاً سريعاً لتفادي الانهيار المائي
تراجع الأمطار وتبدّل المناخ يضعان المنظومة المائية تحت ضغط غير مسبوق
تشير المعطيات المناخية والميدانية الأخيرة إلى أن لبنان يمرّ بمرحلة جفاف متقدّمة تتجاوز المعدلات التي اعتاد عليها في السنوات الماضية. فقد أدّى الانخفاض الشديد في الهطولات المطرية، إلى جانب الارتفاع المتواصل في درجات الحرارة، إلى وضع ضاغط على الخزان الجوفي ومصادر المياه الطبيعية في مختلف المناطق.
تراجع ملحوظ في الينابيع… وتدهور نوعية المياه الجوفية
تقارير الجهات المختصة تفيد بتراجع تدفّق العديد من الينابيع، بعضها بنسب مرتفعة وصلت إلى الجفاف الجزئي أو الكامل، بالتزامن مع ارتفاع تدريجي في ملوحة المياه الجوفية وخصوصاً في المناطق الساحلية.
هذا الارتفاع في الملوحة يُعدّ مؤشّرًا واضحًا على تسرّب مياه البحر إلى طبقات المياه العذبة نتيجة الانخفاض الحاد في منسوب الخزان الجوفي، ما يعكس خللًا بيئيًا يتطلب معالجة علمية عاجلة.
قطاع الصهاريج تحت الضغط… واحتمال نقص الإمدادات نحو ازدياد
القطاع الخاص الذي يوفّر المياه عبر الصهاريج يشهد هو الآخر تراجعًا في مصادر التعبئة، مع تسجيل انخفاض كبير في قدرة بعض الآبار على الضخ. وفي حال استمرت هذه الوتيرة، قد يواجه القطاع خلال الأسابيع المقبلة صعوبات فعلية في تلبية الطلب، ما قد ينعكس مباشرة على الأسر التي تعتمد عليه بشكل يومي.
بيروت وضواحيها: هشاشة في الموارد وعبء سكاني مرتفع
تُعدّ العاصمة بيروت من أكثر المناطق عرضة للخطر نظراً لاكتظاظها السكاني ومحدودية مواردها المائية. فالمؤشرات الحالية تُظهر أن أي تراجع إضافي في الخزان الجوفي قد يضع العاصمة أمام أزمة إمدادات حادة، ما يستوجب وضع خطط احتياطية واضحة ومعلنة.
ورغم أن الحديث عن «نزوح محتمل» يبقى سيناريو متطرفًا، إلا أن استمرار الوضع الراهن من دون إجراءات تصحيحية قد يجعل خيارات الدولة والمواطنين أكثر صعوبة في المستقبل القريب.
الحاجة إلى خطة وطنية مبنية على بيانات دقيقة
لتفادي تفاقم الأزمة، تبدو الحاجة ملحّة لإطلاق مقاربة وطنية واضحة تشمل:
- ترشيد استهلاك المياه.
عبر حملات توعية مدروسة، إصلاح شبكات الهدر، وتعزيز الإجراءات الرقابية. - إدارة مستدامة للخزان الجوفي.
ومنها ضبط الحفر غير الشرعي، وتنظيم السحب، وتحديث البيانات الهيدروجيولوجية. - تعزيز الإنتاج المائي.
من خلال الإسراع في مشاريع التحلية، تحسين السدود القائمة، وتوسيع استخدام الطاقة المتجددة في تشغيل محطات الضخ. - دور البلديات ومؤسسات المياه.
في مراقبة التعديات على الأنهار والينابيع، وتحديث شبكات المناطق الأكثر هشاشة. أزمة قابلة للمعالجة إذا توافر القرار
الأزمة الراهنة، رغم خطورتها، لا تزال قابلة للاحتواء إذا بادرت الدولة إلى اعتماد سياسات علمية مبنية على بيانات دقيقة، وتعاون المواطنون في الحد من الهدر وترشيد الاستهلاك.
لبنان أمام تحدٍّ حقيقي، لكن المسار لا يزال قابلًا للتعديل قبل الوصول إلى مرحلة الانهيار المائي الشامل.
إنها لحظة تتطلب مسؤولية مشتركة، وتخطيطًا يتجاوز ردّات الفعل إلى حلول طويلة الأمد. الأزمة الحالية ليست نتاج عامل واحد، بل نتيجة تحرّك أربعة محاور في الاتجاه نفسه: مناخ متغير، بنية مائية ضعيفة، إدارة غير منظّمة للموارد الجوفية، وتحديات تشغيلية تتعلق بالطاقة. هذا المزيج يجعل لبنان عرضة لجفاف سريع ومتتالي، ويقلّص من قدرة الدولة على الاستجابة من دون إصلاحات جذرية وإجراءات طارئة.



