أورتاغوس – عون… نريد سلاحك لا صبرك!

ماذا يمكن أن تحمل الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس الى السلطة السياسية في لبنان مما لم تحمله من قبل، في وقت لم يتبدل الكثير في مواقف الرئيس جوزاف عون من موضوع السلاح، أو في مواقف “حزب الله” الذي يعيد تنظيم صفوفه الى الحد الذي بات فيه قادراً على فرض الشروط بدل تلقيها.
الواضح حتى الآن على الأقل أن أي شيء تحمله أورتاغوس الى بيروت لن يحرّك أي شيء في موضوع نزع السلاح ما دام المسؤولون اللبنانيون يكتفون بمعالجة هذا الملف الدقيق على الورق ويتعاملون مع القرار ١٧٠١ بالقطعة من دون أي زيادة أو نقصان.
والواضح حتى الآن، أن الأميركيين علناً والعرب خلف الكواليس يشعرون بالخيبة إن لم يكن بالصدمة حيال أداء الرئيس عون، وباتوا أقرب الى سحب أيديهم من أي تعامل مباشر معه ومقاربة ملف السلاح من بوابتين: اما بتكليف قوة أجنبية، وعلى الأرجح اسرائيل، استكمال عملية الانقضاض على ما تبقى من ترسانات “حزب الله” ومقاتليه، واما التخلي عن أي اهتمام بالملف اللبناني في انتظار أي استراتيجيات طارئة تستوجب الالتفات مجدداً نحو لبنان، ومنها عمليات التطبيع مع اسرائيل، أو فك الهلال الايراني عن آخره، أو الحاجة الى مزيد من حقول الغاز والنفط اذا ما تواصلت القطيعة الغربية مع مصادر الطاقة الروسية.
وتذهب مصادر ديبلوماسية عربية وغربية بعيداً الى حد التساؤل عما يفرمل اندفاعة الرئيس عون وعما يخيفه تحديداً؟ مؤكدة أنه يقف بلا حراك جدي في موضوع نزع السلاح فلا يطلق الحوار الذي يتمسك به ولا يطلق النار.
وتضيف: ان الخوف من احتمال اندلاع حرب أهلية كما يروّج القريبون من قصر بعبدا والسراي الحكومي كلام في غير محله، معتبرة أن الحروب الأهلية تندلع عرفاً وواقعاً بين الميليشيات وليس بين الميليشيات والجيوش النظامية، ومتسائلة: هل كانت الحرب بين الجيش وتكفيريي الضنية حرباً أهلية، وهل كانت الحرب في مخيم نهر البارد بين الجيش و”فتح الاسلام”حرباً أهلية؟
وتتابع المصادر: ان أي حرب يخوضها الجيش النظامي في أي بلد وضد أي تنظيم مسلح غير شرعي، أو تحت أي ظرف هي دائماً حرب شرعية ووطنية لا دخل لها بالأحزاب والطوائف والأعراق عندما يتهدد الأمن القومي للبلاد، مشيرة الى أن الأميركيين الذين يملكون الباع الطويل في تسليح الجيش وتدريبه يعرفون أن ما يتردد عن عجزه العسكري عن حسم الموضوع بالقوة ليس صحيحاً أو ليس دقيقاً في أفضل الأحوال.
وتستدرك المصادر لتنفي وجود أي نية لديها لتفجير حرب بين الجيش اللبناني و”حزب الله”، موضحة أن جل ما تريده من الرئيس عون إفهام “المقاومة الاسلامية” أن الوقت يدهمه وأنه لم يعد في موقع يسمح له بكثير من المماطلة، وإبلاغ من يمسك القرار في بيئة الحزب أن عليه أن يختار بين السلاح والاعمار أو بين السلاح والدمار، مشيرة الى أن رئيس الوزراء نواف سلام تقدم على عون في مواقفه المتصلبة من سلاح “حزب الله” لكنه لا يملك القرار الأول والأخير في ترجمتها الى أفعال، ولافتة الى أمرين أساسيين: الأول أن سلام يتحول تدريجاً الى رجل الخليج الأول في لبنان، لا سيما بعد تصريحاته النارية في الامارات، وأن وزير الخارجية يوسف رجي يتقدم عليه أيضاً في الشارع السياسي المسيحي على الرغم من أن ذلك لا يتعدى عملياً عالم البيانات والحبر على الورق.
وانطلاقاً من هذا الواقع نعود الى مهمة مورغان أورتاغوس المقبلة في بيروت لمعرفة ماذا يمكن أن تحمله هذه المرة مما لم تحمله من قبل، وسط تقارير أميركية تكشف أن واشنطن غير مستعدة أكثر لتفهم احراجات عون أو خصوصيات المجتمع اللبناني، وأن التعامل مع السلطة اللبنانية من الآن وصاعداً لن يكون عبر القفازات بل عبر الاجراءات التي يمكن أن تصل الى فرض عقوبات قاسية على من تظنه متورطاً في عرقلة القرار ١٧٠١.
وفي موازاة النظرة الأميركية والعربية الى أداء السلطة السياسية في بيروت، ترصد تقارير واردة من لبنان الى عواصم القرار، موجة من الاحباط لدى الرأي العام اللبناني، مشيرة الى أن الانتقادات التي يتعرض لها عون سواء كانت محقة أو مغرضة، لم يتعرض لها أي رئيس لبناني في بداية عهده، وهي انتقادات بدأت تحد من رهانات الداخل والخارج على أي انجازات غير عادية يمكن أن تتحقق انطلاقاً من أساليب لبنانية روتينية لا تنفع في أي مكان.
وسأل مرجع سياسي محيطه القريب ماذا حقق الرئيس عون في جولاته العربية والغربية عدا فك القطيعة السياسية بين بيروت والعالم الخارجي، كاشفاً أن مضيفيه في باريس ومصر والخليج تحدثوا اليه بلغة واحدة وعبارة واحدة تقول: نريد سلاحك كرجل عسكري وليس صبرك كرجل مدني.
وأضاف أن عون أعطى “حزب الله” وهو ضعيف ما لم يأخذه وهو قوي، أي بوابة الهرب من الاستحقاقات المحلية والخارجية الداهمة وتأجيلها قدر ما يمكن بعد سقوط ذرائع “المقاومة” للاحتفاظ بسلاحه، مشيراً الى أن زيارة النائب محمد رعد لقصر بعبدا أخيراً لم تكن للبحث في موضوع تسليم السلاح بقدر ما كانت للايحاء بوجود حوار بين الطرفين يتوخى تبرئة الرئيس من تهم المماطلة من جهة والخوف من جهة أخرى.
وسط هذا الجو تحط أورتاغوس في بيروت، وفي جعبتها القليل من الكلام والكثير من الحدة، وكأنها تريد أن تقول لمن يهمه الأمر، ان واشنطن على وشك أن تفقد صبرها وانها لن تسمح لمن زرع طريق القرار ١٧٠١ بأختام القبول أن يلحس توقيعه، وان إسرائيل التي تكاد تحسم الحرب في غزة والصراع مع سوريا، تنتظر ما يمكن أن يتأتى من المفاوضات الأميركية- الايرانية قبل أن تجلس اما الى طاولة التطبيع، واما الذهاب إلى حرب تريدها أن تكون آخر حرب تخوضها ضد آخر المقاتلين العرب.
أنطوني جعجع